responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 491
يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ
[يُونُسَ: 31] وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُوصِلُ الرِّزْقَ إِلَيْهِمْ سَاعَةً فَسَاعَةً، هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ أَبَا جَهْلٍ وَرَهْطَهُ وَشِيعَتَهُ كَانُوا مَجْبُولِينَ عَلَى الْبَطَرِ وَالْمُفَاخَرَةِ وَالْعُجْبِ، وَأَمَّا صَدُّهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّه فَإِنَّمَا حَصَلَ فِي الزَّمَانِ الَّذِي ادَّعَى مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ النُّبُوَّةَ. وَلِهَذَا السَّبَبِ ذَكَرَ الْبَطَرَ وَالرِّئَاءَ بِصِيغَةِ الِاسْمِ، وَذَكَرَ الصَّدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّه بِصِيغَةِ الْفِعْلِ واللَّه أَعْلَمُ.
وَحَاصِلُ الْكَلَامِ: أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُمْ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ بِالثَّبَاتِ وَالِاشْتِغَالِ بِذِكْرِ اللَّه، وَمَنَعَهَمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الثَّبَاتِ الْبَطَرَ وَالرِّئَاءَ، بَلْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ لَهُمْ عَلَيْهِ طَلَبَ عُبُودِيَّةِ اللَّه.
وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ الْقُرْآنِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ دَعْوَةُ الْخَلْقِ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِالْخَلْقِ، وَأَمْرُهُمْ بِالْعَنَاءِ فِي طَرِيقِ عُبُودِيَّةِ الْحَقِّ، وَالْمَعْصِيَةُ مَعَ الِانْكِسَارِ أَقْرَبُ إِلَى الْإِخْلَاصِ مِنَ الطَّاعَةِ مَعَ الِافْتِخَارِ، ثُمَّ/ خَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا أَظْهَرَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ الْحَامِلَ لَهُ وَالدَّاعِيَ إِلَى الْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ طَلَبُ مَرْضَاةِ اللَّه تَعَالَى مَعَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ، فَبَيَّنَ تَعَالَى كَوْنَهُ عَالِمًا بِمَا فِي دَوَاخِلِ الْقُلُوبِ، وَذَلِكَ كالتهديد والزجر عن الرئاء والتصنع.

[سورة الأنفال (8) : آية 48]
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (48)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ] اعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ الَّتِي خُصَّ أَهْلُ بَدْرٍ بِهَا وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْعَامِلُ فِي إِذْ فِيهِ وُجُوهٌ: قِيلَ: تَقْدِيرُهُ اذْكُرْ إِذْ زَيَّنَ لَهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَذْكِيرِ النِّعَمِ، وَتَقْدِيرُهُ: وَاذْكُرُوا إِذْ يُرِيكُمُوهُمْ وَإِذْ زَيَّنَ، وَقِيلَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: خَرَجُوا بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ. وَتَقْدِيرُهُ: لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا التَّزْيِينِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الشَّيْطَانَ زَيَّنَ بِوَسْوَسَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَحَوَّلَ فِي صُورَةِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالْأَصَمِّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ ظَهَرَ فِي صُورَةِ الْإِنْسَانِ. قَالُوا: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ حِينَ أَرَادُوا الْمَسِيرَ إِلَى بَدْرٍ خَافُوا مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَتَلُوا مِنْهُمْ وَاحِدًا، فَلَمْ يَأْمَنُوا أَنْ يَأْتُوهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَتَصَوَّرَ لَهُمْ إِبْلِيسُ بِصُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ كِنَانَةَ وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فِي جُنْدٍ مِنَ الشَّيَاطِينِ، وَمَعَهُ رَايَةٌ، وَقَالَ: لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ مُجِيرُكُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَلَمَّا رَأَى إِبْلِيسُ نُزُولَ الملائكة نكص على عقيبه. وقيل: كانت يده في يد الحرث بن هشام، فلما نكص قال له الحرث: أتخذ لنا فِي هَذِهِ الْحَالِ؟ فَقَالَ: إِنِّي أَرَى مَا لا ترون! ودفع في صدر الحرث وَانْهَزَمُوا. وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: مَا الْفَائِدَةُ فِي تَغْيِيرِ صُورَةِ إِبْلِيسَ إِلَى صُورَةِ سُرَاقَةَ؟
وَالْجَوَابُ فِيهِ مُعْجِزَةٌ عَظِيمَةٌ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذَلِكَ لِأَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ لَمَّا رَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ/ قَالُوا هَزَمَ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 491
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست